سورة الفتح - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)}
{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ} هم الذين تخلفوا عن الحديبية {إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني بني حنيفة قوم مسيلمة، وأهل الردّة الذين حاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف عند أبي حنيفة ومن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب. والمجوس تقبل منهم الجزية، وعن الشافعي لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس دون مشركي العجم والعرب. وهذا دليل على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد وفاته. وكيف يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِىَ عَدُوّا} [التوبة: 83] وقيل: هم فارس والروم. ومعنى {يُسْلِمُونَ} ينقادون، لأنّ الروم نصارى، وفارس مجوس يقبل منهم إعطاء الجزية.
فإن قلت: عن قتادة أنهم ثقيف وهوازن، وكان ذلك في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إن صح ذلك فالمعنى: لن تخرجوا معي أبداً ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدين. أو على قول مجاهد: كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم {كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ} يريد في غزوة الحديبية. أو يسلمون. معطوف على تقاتلونهم، أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام، لا ثالث لهما. وفي قراءة أبيّ: {أو يسلموا} بمعنى: إلى أن يسلموا.


{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)}
نفى الحرج عن هؤلاء من ذوي العاهات في التخلف عن الغزو. وقرئ: {ندخله} {ونعذبه} بالنون.


{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}
هي بيعة الرضوان، سميت بهذه الآية، وقصتها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل الحديبية بعث خِراش بن أمّية الخزاعي رسولاً إلى أهل مكة، فهموا به فمنعه الأحابيش، فلما رجع دعا بعمر رضي الله عنه ليبعثه فقال: إني أخافهم على نفسي، لما عرف من عداوتي إياهم وما بمكة عدويّ يمنعني، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني وأحب إليهم: عثمان بن عفان فبعثه فخبرهم أنه لم يأت بحرب، وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته، فوقروه وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل، فقال: ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبس عندهم فأرجف بأنهم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وكانت سمرة. قال جابر بن عبد الله: لو كنت أبصر لأريتكم مكانها. وقيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في أصل الشجرة وعلى ظهره غصن من أغصانها. قال عبد الله بن المغفل: وكنت قائماً على رأسه وبيدي غصن من الشجرة أذب عنه. فرفعت الغصن عن ظهره، فبايعوه على الموت دونه، وعلى أن لا يفروا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض» وكان عدد المبايعين ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرين، وقيل: ألفاً وأربعمائة، وقيل: ألفاً وثلثمائة {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإخلاص وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه {فَأنزَلَ السكينة} أي: الطمأنينة والأمن بسبب الصلح على قلوبهم {وأثابهم فَتْحاً قَرِيباً} وقرئ: {وآتاهم} وهو فتح خيبر غب انصرافهم من مكة.
وعن الحسن: فتح هجر، وهو أجلّ فتح: اتسعوا بثمرها زماناً {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} هي مغانم خيبر، وكانت أرضاً ذات عقار وأموال، فقسمها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عليهم، ثم أتاه عثمان بالصلح فصالحهم وانصرف بعد أن نحر بالحديبية وحلق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7